زيادة الإنتاج الروائي واتساع قاعدة القرّاء والمترجمين في السعودية يمثلان ثمرةً حراك ثقافي واسع
خاص ـ “المزمار العربي”:
تعيش الرواية السعودية مرحلة نضج وازدهار نوعي تعكسه الأرقام والمؤشرات الثقافية الواردة في تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2024، الصادر عن وزارة الثقافة، الذي يؤكد ارتفاع وتيرة النشر الروائي وتنامي الحضور الأدبي للمؤلفين السعوديين على المستويين المحلي والعربي، تزامنًا مع الاحتفاء باليوم العالمي للرواية العربية الذي يوافق الثاني عشر من أكتوبر من
وبحسب التقرير، بلغ عدد الروايات الصادرة لمؤلفين سعوديين عام 2024 نحو 218 رواية، مسجلًا زيادة بنسبة 20 في المئة مقارنة بعام 2023، لتواصل الرواية السعودية بذلك صعودها بعد أعوام من النمو المستمر في حركة النشر .
ويأتي هذا الارتفاع في ظل ما يشهده القطاع الثقافي من مبادرات دعم وتدريب وترجمة، إلى جانب ما توفره الجوائز الأدبية والمهرجانات المتخصصة من حوافز للمبدعين السعوديين.
وأشار التقرير إلى أن إجمالي النشر الأدبي في المملكة لعام 2024 بلغ 509 إصدارا، مقابل 523 إصدارًا في عام 2023، لافتًا إلى أن الأعمال الروائية تصدرت المشهد الأدبي بوصفها أكثر الأجناس ازدهارًا.
كما تناول التقرير توسع حركة الترجمة الأدبية، حيث بلغت الأعمال المترجمة ضمن مبادرة “ترجم” خلال عام 2024 نحو 380 عملًا، تنوعت بين الأدب والفلسفة والتطوير وكتب السيرة، مما يعكس عمق التواصل الثقافي للمملكة مع الإنتاج الأدبي العالمي.
وفي سياق متصل، أشار التقرير إلى الدور الذي لعبته الجوائز المحلية والعربية في تحفيز المشهد السردي السعودي، إضافة إلى البرامج الأكاديمية التي تدرس الرواية السعودية في الجامعات المحلية والعربية؛ مما أسهم في تطوير الخطاب الروائي وتحليل مراحله التاريخية منذ بداياته في خمسينيات القرن الماضي، وحتى التحولات المعاصرة التي تواكب رؤية المملكة 2030، وتستكشف علاقة السرد بالهوية والمكان والتحولات الاجتماعية.
ويأتي اليوم العالمي للرواية العربية، الذي أقرّه مجلس وزراء الثقافة العرب في اجتماعه عام 2016، متزامنًا مع الجهود التي تبذلها اليونسكو للاحتفاء بالأدب وإبراز دوره في إثراء الإبداع الإنساني والتنوع الثقافي، حيث تبدأ فعاليات أسبوع الرواية العالمي في الثالث عشر من أكتوبر من كل عام، تعزيزًا لمكانة هذا الفن كأحد أشكال التعبير الثقافي الراسخ في العالم.
وقد تم اعتماد الاحتفال باليوم العالمي للرواية العربية في 12 أكتوبر من كل عام، وذلك بمبادرة من مؤسسة «كتارا» القطرية وبتوصية من وزراء الثقافة العرب. وهذا التاريخ يُمثّل تكريمًا للروائي المصري نجيب محفوظ، الكاتب العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل للآداب في عام 1988، ويأتي الاحتفال لتقدير الإبداع الأدبي ودوره في نقل ثقافة وتطلعات الإنسان العربي.
وتفاعلت عددٌ من الجمعيات والمؤسسات الثقافية السعودية مع اليوم العالمي للرواية العربية من خلال تنظيم فعاليات وندوات نقدية عن واقع وتطور الرواية السعودية.
وأعلنت “جمعية الأدب المهنية” عن تنظيم ثماني فعاليات في عددٍ من مناطق المملكة، من أبرزها أمسيتان في الرياض وجدة بعنوان “الرواية السعودية… حكايتنا للعالم 2025″، و”الحياة السرية للرواية.. شاهد ومشهود”، وأمسية في مكة بعنوان “الكثافة والامتداد في السرد الروائي”، وثالثة في القصيم بعنوان “الرواية… سفر الروح عبر الكلمات”، كما تستضيف مدينة الطائف أمسية بعنوان “الرواية بين القراءة وأبدية التأويل”، وفي الدمام تقام أمسية بعنوان “التجربة الروائية بين الرجل والمرأة.”
أما الحدود الشمالية فتستضيف محاضرة بعنوان “الرواية.. سيرة العالم”، وتنظم الجمعية أيضًا محاضرة في جازان بعنوان “الرواية السعودية ومستويات الأنساق الثقافية.”
ويؤكد الأدباء والنقاد أن صعود الرواية السعودية في الأعوام الأخيرة يمثل ثمرةً لحراك ثقافي واسع تقوده مؤسسات الدولة، ووزارة الثقافة، وهيئة الأدب والنشر والترجمة، مشيرين إلى أن زيادة الإنتاج الروائي واتساع قاعدة القرّاء والمترجمين يعكسان تحوّل الرواية إلى مرآة للتجربة السعودية الحديثة، وتعبيرًا عن تنوّعها الاجتماعي والإنساني.
وليست الرواية السعودية طارئة على المشهد الثقافي، فمنذ نحو قرن من الزمان، وبالتحديد في عام 1930، صدرت الرواية السعودية الأولى “التوأمان” لعبدالقدوس الأنصاري. وبعدها تتالت التجارب الروائية التي نالت انتشارا عربيا واسعا، لكن يبقى الزخم الذي عرفته الروايات في المملكة في السنوات الأخيرة هو الأبرز، لا من حيث الكم فحسب، بل وأيضا من جانب تنوع المواضيع وتطور الأساليب والنضج الفني الذي بات يميز هذه الروايات التي باتت تشتبك بحرية أكبر مع الواقع والتاريخ والقضايا الجوهرية.