شعر

نزار قباني:.. عاشق دمشق الذي تعتّق بياسمينها

عمار النعمة

لا يرحل الشعراء أبداً.. إنهم باقون في عطر اللغة، في همس ولثغة الأطفال، في القراءات التي لا تنتهي، هم شدو الألحان الإنسانية حزناً وفرحاً.

نزار قباني الشاعر الأكثر شهرة في هذا العصر، ترك إرثاً شعرياً لا يمكن أن تتجاوزه الأجيال، من التجديد في اللغة والشعر والموضوعات التي أوقد فيها جمر الحياة، فهو الأكثر جرأة في طرحه موضوعات هي حقول ألغام، ولاسيما في فضح الدكتاتوريات العربية.

وقصيدته السيرة الذاتية لسياف عربي، شاهدة على العصر السياسي الذي جعل الأمة العربية تحت عسف وقهر الحكام يقول نزار:

أيها الناس: اشتروا لي صحفاً تكتب عني

إنها معروضة مثل البغايا في الشوارع

اشتروا لي ورقاً أخضر مصقولاً كأعشاب الربيع

ومداداً.. ومطابع

كل شيء يشترى في عصرنا.. حتى الأصابع..

اشتروا فاكهة الفكر.. وخلوها أمامي

واطبخوا لي شاعراً

واجعلوه، بين أطباق طعامي..

أنا أمي.. وعندي عقدة مما يقول الشعراء

فاشتروا لي شعراء يتغنون بحسني..

واجعلوني نجم كل الأغلفة

فنجوم الرقص والمسرح ليسوا أبداً أجمل مني

فأنا، بالعملة الصعبة، أشتري ما أريد

أشتري ديوان بشار بن برد

وشفاه المتنبي، وأناشيد لبيد..

فالملايين التي في بيت مال المسلمين

هي ميراث قديم لأبي

فخذوا من ذهبي

واكتبوا في أمهات الكتب

أن عصري عصر هارون.

لم يكن نزار قباني اسماً عادياً فهو جعل للشعر طعم آخر، يردده الصغير قبل الكبير، كيف لا وهو الذي لمع اسمه في سماء القصيدة ووصفه الناس أميراً للشعر العربي عبر العصور لأنه تبنى قضاياهم وأحلامهم وحكى عن أوجاعهم وهمومهم.

ولا يمكننا الحديث عن نزار دون التطرّق إلى دمشق التي أحبها وأحبته فأهداها عدداً من القصائد يمكن القول عنها الخالدة فهو الذي قال:

هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والرّاحُ إنّي أحبُّ… وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ

أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي لسـالَ منهُ عناقيـدٌ.. وتفـّاحُ

ولو فتحـتُم شراييني بمديتكـم سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا.

زراعةُ القلبِ.. تشفي بعضَ من عشقوا وما لقلـبي إذا أحببـتُ- جـرّاحُ

مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني وللمـآذنِ.. كالأشجارِ.. أرواحُ

للياسمـينِ حقـوقٌ في منازلنـا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ

طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ

هذا مكانُ “أبي المعتزِّ”.. منتظرٌ ووجهُ “فائزةٍ” حلوٌ ولمـاحُ.

هنا جذوري.. هنا قلبي… هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟

خلف نزار تراثاً شعرياً غزيراً، ومن أهم دواوينه: “قالت لي السمراء (1944)، سامبا (1949)، أنت لي (1950)، قصائد (1956)، حبيبتي (1961)، الرسم بالكلمات (1966)، يوميات امرأة لا مبالية (1968)، قصائد متوحشة (1970)، أشعار خارجة عن القانون (1972)، كل عام وأنت حبيبتي (1978)”.

وألف كذلك “أشعار مجنونة (1985)، قصائد مغضوب عليها (1986)، ثلاثية أطفال الحجارة (1988)، هوامش على الهوامش (1991)، تنويعات نزارية على مقام العشق (1995)، أبجدية الياسمين (1998)”.

تدهور الوضع الصحي لنزار عام 1997، ووافته المنية يوم 30 أبريل/نيسان 1998 عن سن 75 عاماً، وشيع في جنازة حاشدة شارك فيها مختلف أطياف المجتمع السوري إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب، ودفن بمسقط رأسه دمشق تنفيذاً لوصيته، وهو الذي قال عن مدينته إنها “الرحم الذي علمني الشعر، علمني الإبداع، علمني أبجدية الياسمين”.

في ذكرى الرحيل نقول: سيبقى نزار أيقونة سورية نعتز ونفخر بها، ستبقى أشعاره ساكنة في وجداننا، فهو الذي أسر القلوب بلغته الشعريّة القريبة من الناس، وبوضوح رسالته ليبقى إبداعه حالة خاصة في تاريخ الشّعر، فمثله وإن رحل جسداً فإن أعماله خالدة في قلوبنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى