الرياضة السورية.. شللية وتهميش !!

عبد الكريم البليخ

في لحظة تبدو البلاد فيها كأنها تئن تحت أنقاض أحلامها المؤجلة، لا تبدو الرياضة، كما يتصور البعض، بعيدة عن وجع السوريين أو هامشاً من هوامش الحراك الوطني. بل هي، على العكس، مرآة حقيقية تعكس حال المجتمع، بلغة الجسد والتنافس والأمل والإنجاز، أو في أسوأ أحوالها، بلغة الإقصاء والشللية والمحسوبيات.
وفي ظل القيادة الرياضية الجديدة، ممثلة بوزير الشباب والرياضة محمد سامح الحامض، يبدو أن المرآة قد انكسرت فعلياً. فما كان يُرجى منه أن يكون بداية لعهد جديد، يصبح أمام أعيننا الآن نسخة ممسوخة عن عهدٍ لفظه السوريون في لحظة نادرة من صحو الوعي الجماعي.
البيان الصادر عن “الرياضيين السوريين الأحرار” لا يأتي كفورة عاطفية، بل كنصٍّ مؤسِّسٍ لموقف ناضج. يضع الإصبع على الجرح، لا ليُشير إليه فقط، بل ليمنع تقيّحه. هؤلاء الذين حملوا في أجسادهم تعرّق الملاعب، وفي قلوبهم نزاهة الميدان، يعلنون بوضوح أن ما يجري اليوم لا يمتّ إلى “الرياضة” بمعناها الحقيقي بصلة.
كيف لوزير يفتقر إلى أبسط مقوّمات هذا الحقل ـ لا رصيد رياضي، لا شهادة علمية، لا تاريخ نضالي، ولا حتى صلة بمسار التغيير الوطني ـ أن يكون على رأس هرم رياضي يُفترض به أن يُلهم، أن يُطوّر، أن يُنصف؟
الجواب عن ذلك لا يحتاج إلى تحليل بقدر ما يحتاج إلى مراجعة ضميرية شاملة لمن نصبوه هناك، ومن يحمونه اليوم.
لا تُخفي الوقائع أسماء بعينها: إسماعيل المصطفى الذي يحتكر أكثر من ستة مناصب داخل الوزارة، ويعيد تدوير الوجوه ذاتها التي لفظها الشارع الرياضي مراراً، كـخلود بيطار التي تتربع للمرة الخامسة على اتحاد الريشة الطائرة، وهديل خلوف التي تتسلم العلاقات العامة في الوزارة بلا أي رصيد مؤهّل.
هذا وحده يكشف أنَّ الرياضة في عهد الوزير الجديد تحوّلت إلى غنيمة حزبية أو عائلية أو طائفية، لا إلى ساحة تنافسية نزيهة.
ما يجري خلف الكواليس لم يعد خفياَ، بل صار كاريكاتورياَ في فجّه وتكراره. تهميش الكفاءات الحقيقية، إقصاء الأسماء المشهود لها، وتكريس الولاءات الضيقة، كلها ممارسات تُعيدنا إلى “أيامٍ ظنناها مضت” ـ لكن يبدو أن الظل لا يموت بسهولة إذا لم يُقطع الرأس.
كل مؤسسة رياضية هي، في بنيتها العميقة، منظومة معمارية من القيم والكوادر والقرارات. فما الذي يحدث حين يُخرّب هذا المعمار بفعل شللية متضخّمة وأذرع أخطبوطية تمتد لتطوّق كل مفصل حيوي؟
يحدث بالضبط ما نشهده اليوم: رياضة تقف على شفير هاوية، ومجتمع رياضي يشعر أن صوته يُقصى لا لأنه لا يستحق، بل لأنه لا يصفّق.
إن مطالبة الرياضيين بإقالة الوزير الحالي، ومحاسبة من رشّحه، وتجميد نتائج التعيينات الأخيرة، ليست طلبات فوقية أو فئوية، بل هي صرخة تصحيح لمسار آخذٍ بالانحراف الممنهج. إنها محاولة أخيرة لاستعادة الشرعية الأخلاقية قبل الإدارية، لمحاولة الترميم قبل الانهيار التام.
الرياضة كانت ـ ويجب أن تظل ـ مسرحاً للقيم، للعدالة، للتمثيل المتكافئ، وللأمل الجمعي. لكنها الآن أقرب إلى صالة مغلقة بلا نوافذ، يتبادل فيها حفنة من المنتفعين الكراسي فيما يُقصى أصحاب الشأن الحقيقي.
لا يدعو البيان إلى الفوضى، ولا يستجدي مكرمة، بل يُحاول بإلحاح مخلص أن يُذكّر: أنّ الرياضة ليست سلعة، ولا منصباً، ولا حصة نفوذ. بل هي شرف، وتاريخ، وعرق، وسنوات من السقوط والنهوض. هي رئة مجتمع، لا مجرّد ديكور في نشرة الأخبار أو مناسبة وطنية.
عبارة أخيرة تخترق النص كسهام: “الصمت خيانة، ونحن لا نخون”.
بهذه الجملة يُعيد الرياضيون الأحرار الاعتبار لمفهوم المسؤولية. المسؤولية التي لم تعد محصورة باللاعب في الملعب، بل بالإنسان الذي يرفض أن يرى بيته يُغتصب وهو صامت.
هم، الذين وقفوا في عزّ القمع، ورفعوا علم الرياضة على أكتافهم حين اختبأ السياسيون في الزوايا، يقولون الآن إن الرياضة صارت مختطفة. وإنهم، كما حموا شرفها من الداخل، لن يصمتوا على تخريبها من الخارج.
الرياضي الحقيقي لا يُقاس بعدد البطولات، بل بقدرته على الوقوف حين يسقط الجميع. وها هم الرياضيون السوريون، في بيانهم، يثبتون أنهم ما زالوا حراس الملعب، حتى وإن فُرغت المدرجات من الجمهور.
ربما لم يتبقَّ من الرياضة إلا قميصها، لكننا على يقين أن الذين حلموا بالحرية فوق العشب، لن يسمحوا بتحويلها إلى مزرعة للتابعين. لأنهم، ببساطة، لا يعرفون الصمت، ولا يتقنون الخيانة.
30/6/2025