في زمنٍ تتكاثر فيه الضوضاء وتبهت الأصوات الصادقة، تولد «المزمار العربي» كنافذةٍ تفتح على الوعي والجمال، وفضاءٍ يجمع بين الفكر والوجدان، بين الثقافة والرياضة، وبين نبض الإنسان وإيقاع الحياة. ليست المجلّة مجرّد صفحاتٍ تُقلب، بل مساحةٌ حيّة تنصت لنبض المجتمع كما ينصت القلب لوشوشة ذاته. فيها يتحوّل الخبر إلى معنى، والفكرة إلى مرآةٍ تكشف وجه الإنسان كما هو، لا كما يُراد له أن يكون.
في عالمٍ يتّسع مادياً ويضيق روحياً، تأتي «المزمار العربي» لتعيد التوازن بين الداخل والخارج، بين صخب الواقع وحاجة الإنسان إلى الصمت الجميل الذي تولده الكلمة الصادقة. فهي لا تركض خلف بريقٍ زائل، بل تبحث في جوهر الأشياء، في التفاصيل التي تُهمَل رغم أنّها تصنع وجودنا الحقيقي. إنها مجلةٌ تؤمن بأن الثقافة ليست امتيازاً نخبوياً، بل حقّ إنسانيّ يضيء الدرب للجميع، وأن الجمال حين يُقدَّم بصدق يصبح غذاءً للروح لا ترفاً فكرياً.
تحمل المجلة في جوهرها إيماناً بأن الأدب والفنّ والفكر أدواتٌ صادقة لفهم النفس والواقع. فالأدب مرآةُ الذات، والفنّ لغةُ الروح، والفكر جسرٌ يعيد الإنسان إلى وعيه. ومن هذا الإيمان تنطلق «المزمار العربي» لتفتح مساحةً للدهشة والتساؤل، لا للإجابات الجاهزة. لغتها سهلةٌ في ظاهرها، عميقةٌ في باطنها، تخاطب القارئ لا لتفرض رأياً، بل لتشاركه السؤال، لأن المعرفة تبدأ من الحيرة، ولأن الكلمة الصادقة لا تُعلّم فقط، بل تُطهّر وتوقظ.
تعرف المجلة أن إرضاء القارئ غايةٌ لا تُدرك، لكنها تؤمن أنه شريكٌ في الفعل الثقافي، وصوتٌ للحقيقة. لذا، تسعى بصدقٍ إلى أن تقدم له ما يحرّك فكره ويُلامس وجدانه، ما يجعله يرى ذاته في كلّ مقالٍ، وقطرةً من روحه في كلّ نصّ.
ولا تغفل «المزمار العربي» الجانب الإنسانيّ في رسالتها. فهي تلتفت إلى قضايا المرأة بوصفها نصف التجربة الإنسانية، وتنظر إلى الأسرة باعتبارها نواة الوعي الجمعيّ، كما تُنصت إلى الشباب وأحلامهم، وتحاور المبدعين بوصفهم شهوداً على زمنٍ تتبدّل ملامحه سريعاً.
ليست «المزمار العربي» مشروعاً عابراً ولا مغامرةً صحفية، بل موقفٌ من الكتابة ذاتها. فهي تؤمن أن الكلمة مسؤولية أخلاقية تجاه الحقيقة، وأنّ الصحافة التي تفقد بوصلتها القيمية تتحوّل إلى صدى بلا روح. لذلك تسعى إلى أن تكون منبراً حرّاً يرفض الوصاية ويؤمن بالتنوّع، لأن الاختلاف حياة والاتفاق المطلق موتٌ للوعي.
إنّها مجلّةٌ تقف في وجه الركود الثقافي، رافعةً راية السؤال في وجه الإجابات الجاهزة، ومنتصرةً للإنسان في وجه التهميش والنسيان. فهي ترى أن دور الكلمة أن تفتح الأبواب المغلقة لا أن تزيّن الجدران، وأن الصحافة التي تُنصت لنبض الناس تصبح جزءاً من نسيجهم، لا سلطةً فوقهم.
ولأنها مجلةٌ تنبض بالعروبة، فهي تنفتح على محيطها العربي والإنساني، باحثةً عن القواسم التي توحّد بين الشعوب، مؤمنةً بأن الثقافة العربية ما زالت قادرةً على أن تمنح العالم صوتاً مغايراً، وأن تذكّر الإنسان الحديث بأن الروح لا تُختصر في شاشةٍ أو رقم، بل في حرفٍ صادقٍ يلامس القلب.
هكذا تمضي «المزمار العربي» بخطى واثقة، محافظةً على صفاء النغمة وصدق الرسالة، لتظلّ نبض الكلمة وضمير الإنسان، ومرآةً للحاضر وصوتاً للغد، تصغي للإنسان قبل أن تُخاطب العالم.
رئيس التحرير

