عبد الكريم البليخ
ونحن على أعتاب إعلان الفائز بالكرة الذهبية في الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2025، حيث يغيب المرشح “الخارق” الذي يجمع الإجماع، لتحلّ محلّه خريطة معقّدة من الأسماء والقصص والأسئلة.
انطوت صفحة الهيمنة الطويلة التي طبعت أكثر من عقد ونصف باسمَي ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، ومع انحسار حضورهما، بدأ زمن جديد يبحث عن أبطاله. مرّت محاولات لاختراق هذا الإرث، مثل مودريتش وبنزيمة، لكنها بقيت استثناءات. أما هذا العام، فالمشهد مفتوح على احتمالات لا تحكمها السيناريوهات المسبقة.
الموسم الأخير قلب الموازين. باريس سان جيرمان، الذي طالما عجز عن كسر لعنة دوري الأبطال، رفع الكأس الأوروبية لأول مرة في تاريخه. لكن الإنجاز حمل مفارقة لافتة: كيليان مبابي، النجم الذي حلم بهذا اللقب، رحل إلى ريال مدريد بحثاً عنه، فإذا به يبتعد لحظة انتقاله. هكذا يذكّرنا المشهد بأن المجد الرياضي لا يُقاس بالموهبة وحدها، بل بالتوقيت والظرف الذي قد يمنحك الفرصة أو يسلبها.
في قلب الانتصار الباريسي، برز عثمان ديمبيلي. اللاعب الذي طالما لاحقته الإصابات والانتقادات، عاد هذا الموسم بوجه مختلف. في نهائي دوري الأبطال، كان أكثر من مجرد جناح سريع؛ كان عقل الفريق وقلبه، يسجّل ويصنع في لحظات حاسمة، ويكتب فصلاً جديداً في مسيرة عنوانها النهوض بعد السقوط.
وفي الضفة الإسبانية، بزغ اسم لامين يامال، الموهبة الفتية التي لم تُكمل عامها الثامن عشر. قاد برشلونة إلى ثلاثية محلية، وأبهر في اليورو بأداء وضعه في قلب المنتخب الإسباني كلاعب أساسي لا كموهبة بديلة. يامال ليس فقط ظاهرة كروية، بل أيضاً مرآة لجيل يرى فيه صورة حلم مبكر، ودرس في أن النضج لا تحدده السنوات بل الوعي والقدرة على قراءة الملعب كمن يقرأ قصيدة قبل إلقائها.
مدريد بدورها شهدت موسماً متناقضاً. فينيسيوس جونيور وبيلينغهام قدّما عروضاً فردية لامعة، لكن غياب الألقاب الكبرى ألقى بظلاله على فرصهما. الأرقام وحدها بلا تتويج لا تكفي لتثبيت المجد، تماماً كما أن البناء بلا سقف يبقى عرضة للانهيار.
أما مبابي، صاحب أكثر من أربعين هدفاً هذا الموسم، فوجد نفسه خارج المربع الذهبي. لم يحقق الألقاب التي وُعد بها في مدريد، وخرج من اليورو بلا بصمة حاسمة. وصفته الصحافة بأنه “الخاسر الأكبر” للموسم، ليس لانخفاض مستواه، بل لأن الآخرين عرفوا كيف يتقدّمون بينما بقي هو في مكانه.
منذ أن غيّرت “فرانس فوتبول” معايير الجائزة، صار الحسم في النهائيات والبصمة في البطولات الكبرى، خصوصاً الأوروبية، شرطاً أساسياً للفوز. لم يعد يكفي أن يكون اسمك لامعاً أو تاريخك مشرقاً؛ عليك أن تصنع الفرق في اللحظة التي لا يرحم فيها الملعب ولا يكررها الزمن.
الكرة الذهبية هذا العام ليست مجرد لقب فردي، بل ساحة يتواجه فيها معنيان للتفوق: الأول جماعي، يقوده من حمل فريقه إلى القمة؛ والثاني فردي، يمثله من أضاء الملعب بموهبته حتى وإن لم يرفع الكأس.