في ذكرى رحيل نور الشريف

علاء المفرجي

في مهرجان دبي السينمائي، وفي دورته الـ11 أثار انتباهنا نحن النقاد والاعلاميون المتواجدون في المهرجان، علامات المرض وحقيقته للفنان الراحل نور الشريف، والذي كان مدعواً للمهرجان لكي يُكرم، وقد تساقطت دموع الفنان الكبير بعفوية أثناء تكريمه في حفل افتتاح المهرجان، خاصة مع تزايد الأسئلة التي تلاحقه والتي تريد الاستفسار والاطمئنان على صحته ومعرفة حقيقة المرض الذي يُعاني منه. وقال الشريف حينها: إنه يُعاني من تجمّع مياه حول الرئة خضع على إثره لعملية جراحيّة، وأنه تعافى بعد هذه الجراحة.
دخل نور الشريف، الذي يحتفل السينمائيون بالذكرى العاشرة لرحيله، السينما في وقت كانت فيه تدشّن مرحلة جديدة في تاريخها، حيث برز فرسان الموجة الجديدة مخرجين وممثلين وفنيين وكان لا بد ان تجد موهبة مثل موهبة نور الشريف طريقها.. وشاءت المصادفة ان تكون انطلاقته التي لفتت إليه الأنظار بواحد من أهم أفلام المخرج حسن الامام هو”قصر الشوق” وهو الدور الأول سينمائياً حيث قدم شخصية كمال، الشاب المتنور.. وكان بذلك نجماً آخر يُقدمه ما عرف بمكتشف النجوم.
ورغم انه شارك بالكثير من الأفلام خلال السبعينيات ومن بينها ما ينتمي إلى أفلام المقاولات.. الا أن ذلك كان تمريناً لا بد منه لتكريس اسمه ونجوميته.. فكان عنصراً فاعلاً في أفلام هذه الموجة التي بدأت نهاية السبعينات بمجموعة من السينمائيين: عاطف الطيّب، محمد خان، علي بدر خان، رأفت الميهي، خيري بشارة، رضوان الكاشف، محمود عبد العزيز، أحمد زكي، محمد وفيق وآخرون، وهي الموجة التي شكلت منعطفاً تاريخياً في مسيرة السينما المصرية من خلال الموضوعات التي تناولتها واسلوب معالجتها. والتي كسرت الشكل التقليدي لأبطالها، حيث لم يعد البطل مفتول العضلات ورومانسياً بل بطل يعيش بين ظهرانينا: سائق اوتوبيس.. أو معتقل سياسي أو سائق تكسي يعشق فتاة الليل.
مع هذه الموجة دخل نور الشريف السينما، وهذه المرة يتحسس مجدداً ويستبطن قدرته في الأداء.. في فيلم (الكرنك) مع علي بدرخان حيث يعيش تفاصيل المعتقل السياسي ومعاناته، ثم دوره في فيلم (سواق الأوتوبيس) مع عاطف الطيّب الذي يُعد أهم أدواره على الاطلاق، وأهم أفلام السينما المصرية. والذي يشكل عودة للواقعية في السينما المصرية، وسيشارك في غير فيلم مع الطيّب من بينها (ناجي العلي) الذي يُقدم نور الشريف فيه سيرة الفنان الفلسطيني المناضل ناجي العلي، الذي تم اغتياله في لندن من قبل الموساد الاسرائيلي. وفيلم (ليلة ساخنة) عن سائق تاكسي تأخذه المصادفة للتعرّف على فتاة ليل ودخول عالم آخر يعيش حياة لم يألفها.
كان نور الشريف فرس رهان الكثير من المخرجين، بسبب امكانياته على الأداء الذي يذهب حد الكمال، وقدرته على تقمص الشخصية المنسوبة إليه. حيث قدم خلال مسيرته أدواراً متنوعة ومختلفة مع مخرجين تعددت أساليبهم، وبأفلام وصلت الى 170 فيلماً. فمنذ بداية السبعينيات وحتى فيلمه الأخير (بتوقيت القاهرة) الذي عرضه لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي عمل نور الشريف مع كبار مخرجي مصر، ابتداء من حسن الامام ويوسف شاهين وليس انتهاء بالمخرج الشاب أمير رمسيس.
وعلى طريقة السينما المصرية التي تدفع الممثلين الكبار في العمر إلى مغادرتها حيث التلفزيون، رحل نور الشريف وأبناء جيله محمود عبد العزيز، ومحمود ياسين.. وآخرون حيث دخل التلفزيون وقدم عدداً من الأعمال التلفزيونية مثل (عمر بن عبد العزيز)، (هارون الرشيد)، (لن أعيش في جلباب أبي)، (الدالي) “القاهرة والناس”، “مارد الجبل”، “لسة بحلم بيوم “، “أديب”، “أرزاق” ثمن الخوف”، “الثمن”، “الثعلب”، “الرجل الآخر”، “عائلة الحاج متولى”، “الحرافيش”، “العطار والسبع بنات”، “حضرة المتهم أبى”، “الرحايا حجر القلوب” و”خلف الله” آخر أعماله. وغيرها من الأعمال، التي قدم فيها أداءً متميزاً..
وهكذا في المسرح الذي كان المحطة الاولى في دخوله عالم الفن من خلال دور صغير في مسرحية (الشوارع الخلفية)، ليعقبها بعدد من الأعمال منها “القدس في يوم آخر”، “سهرة مع الضحك”، “كنت فين يا علي”، “يا غولة عينك حمرا”، “يا مسافر وحدك”.
نستذكر كيف فقدت السينما العربية واحداً من ألمع نجومها ومن الصعب تكرارهم.