في كأس العالم .. مهمة مستحيلة لأندية العرب

عبد الكريم البليخ

يترقّب عشّاق المستديرة، بقلوب تهفو وعيونٍ يُبلّلها الترقُّب، النسخةَ المُجدَّدة من كأس العالم للأندية؛ نسخةٌ ستشهد، وللمرّة الأولى، حضورَ خمسةِ أنديةٍ عربيةٍ في ميدانٍ عالمي، هي: الأهلي المصري، والهلال السعودي، والعين الإماراتي، والترجي التونسي، والوداد المغربي.
من 14 يونيو حتى 13 يوليو، تفتح الولاياتُ المتحدة ذراعيها لبطولةٍ تتزيّن بثوبٍ جديد يضمّ 32 فريقاً، قُسِّمت إلى ثماني مجموعاتٍ رباعية. وفي هذا الاختبار العسير، تمضي الأندية أولاً في دروب دور المجموعات، قبل أن يعبر متصدّر كل مجموعة ووصيفه إلى بوّابة دور الـ16، حيث تبدأ الملاحم الإقصائية من مباراةٍ واحدةٍ حتى يُرفَع الستار عن البطل.
ولأنّ كرة القدم اليوم ليست مجرّد ساحرة تُداعِب القلوب، بل صناعةٌ يتعانق فيها المالُ مع المجد، أعلن الاتحاد الدولي (فيفا) قبل أسابيع أنّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي بات شريكاً رسمياً للبطولة، في خطوةٍ تُعزّز الحضور العربي في كواليس أرفع المسابقات، وتُنذر بنسخةٍ تُداوي مخاوف الأندية الأوروبية التي رهِبت ازدحام الروزنامة.
يقع الأهلي المصري في مجموعةٍ يرأسها بورتو البرتغالي، ويقطنها إنتر ميامي الأميركي وبالميراس البرازيلي. وسيقصّ “نادي القرن” شريط الافتتاح أمام أصحاب الأرض ورفاق ليونيل ميسي ولويس سواريز؛ أحلامٌ حمراءُ تسعى لانتزاع نقطة البداية من براثن النجوم. ولتعميق حظوظه، ضمّ الأهلي كوكبةً لامعة: أحمد سيد زيزو في صفقةٍ حرّةٍ من الزمالك، إلى جانب محمود حسن “تريزيغيه” وحمدي فتحي وأحمد العش وأحمد رمضان “بيكهام”. ورغم أنّ التوقعات تصبّ في مصلحة بورتو لصدارة المجموعة، فإنّ الأهلي، ومعه بالميراس وإنتر ميامي، يخوضون سباقاً محتدماً على البطاقة الثانية.

في رابعة المجموعات يقف الترجي التونسي وجهاً لوجه أمام فلامنغو البرازيلي، وتشيلسي الإنكليزي ولوس أنجليس إف سي الأميركي. ويستهلّ الترجي مشواره العالمي بملاقاة فلامنغو في 17 يونيو، بينما يطوّق الغضبُ جماهيرَه بعد أن دخل المدرب ماهر الكنزاري البطولة بلا صفقاتٍ جديدة. وتتجه الأبصار إلى تشيلسي كأبرز مرشّحٍ للصدارة، مع أفضليةٍ طفيفةٍ لفلامنغو في الصراع على الوصافة، فيما يحتاج الترجي إلى روحٍ قتاليةٍ يونسُ بها أنصاره ويشعل حماستهم.
يتشارك الوداد المغربي والعين الإماراتي مجموعةً هي أقرب إلى حقلِ ألغام، إذ تضمّ مانشستر سيتي وجوفنتوس. ورغم تعاقداتٍ وُصفت بالضخمة لكلا الناديين العربيين، تتثاقل التوقعات نحو الثنائي الأوروبي، ليبحث ممثلو العرب هنا عن معجزةٍ تعيد رسم حدود الممكن.
لم يكد موسم الهلال السعودي يُسدل ستاره حتى ارتجّت جدران النادي تحت وطأة نتائج باهتة لم تروِ ظمأ الجماهير، ولم تلامس طموح نادٍ اعتاد أن يكون في صدارة المشهد. فجاء القرار حاسماً من فهد بن نافل: نهاية لجورجي جيسوس، وبداية لمرحلة جديدة مع الإيطالي سيموني إنزاغي. قد تكون الصدمة علاجاً، وقد يكون التغيير آخر ما تبقّى من أدوات النهوض.
في هذه النسخة العالمية، يصطدم الهلال بجدارٍ صلدٍ عنوانه ريال مدريد، رفقة باتشوكا المكسيكي وريد بُل سالزبورغ النمساوي. وفي الخلفية، تهمس جماهيره بحلمٍ قديم جديد: “الهلال عالمي”. حلم لا يُبنى على الأوهام، بل على أسماء تلمع في تشكيلته كالذهب: كوليبالي، بونو، كانسيلو، سافيتش، نيفيز، ميتروفيتش، خليفة الدوسري، علي البليهي، سالم الدوسري… وغيرهم. كتيبة تؤمن بأن المجد لا يعترف بالمستحيل، وأن ما تحقق في نسخة 2022 حين حلّ الهلال وصيفاً، ليس سوى بداية لسيرة لم تكتمل فصولها.
وهكذا، تمضي الأندية العربية في مغامرتها الكبرى، تتأرجح بين رهبة التحدّي وشغفٍ أصيلٍ لكتابة التاريخ. إنها رحلة تتجاوز خطوط الملاعب، لتلامس نبض جماهيرها، أولئك الذين يرون في كرة القدم أكثر من لعبة، يرون فيها مرآة لكرامتهم، وجسراً بين آمالهم وخيباتهم. وبينما تتصارع الأقدام على رقعة العشب، تنسج القلوب أحلاماً بصمت، وتنتظر سيناريوهاتٍ لا يرسمها المنطق، بل ذلك الفنّ العظيم الذي يوحّد العالم على لحنٍ واحد: لحن الحلم.