محاسبة “حزب الله” أفضل وسيلة للجم استراتيجيته

رياض قهوجي
ما إن أعلنت الحكومة اللبنانية في جلستها التاريخية عن قرار سحب السلاح غير الشرعي من جميع القوى، بمن فيهم “حزب الله”، حتى جاء رد الأخير برفض القرار واعتباره غير موجود، وبشن حملة إعلامية واسعة لتجييش قاعدته الشعبية وتخوين رئيسي الجمهورية والحكومة. ولم تتأخر طهران في الانضمام إلى هذه الحملة، إذ رفض مسؤولوها قرار الحكومة وتوقعوا فشل سحب سلاح الحزب في لبنان، وبدأ الحزب عملية ضغط ميداني عبر تنظيم مسيرات الدراجات الليلية في بيروت ومدن أخرى للاحتجاج على القرار. وقد أدى موقف الحزب إلى ارتفاع منسوب القلق مما قد تؤول إليه الأوضاع في لبنان، وكيف سيتعامل الحزب مع خطوات التنفيذ المستقبلية للجيش اللبناني، بعد أن تقدم قيادته خطة جمع السلاح على الأراضي اللبنانية للحكومة وتنال موافقتها مطلع الشهر المقبل..
بموجب قرار الحكومة برفع الغطاء السياسي عن سلاح الحزب، بات هذا السلاح اليوم من الناحية القانونية سلاحاً غير شرعي، ولا يحظى بامتيازات خاصة استثنته عام 1991 من قرارات اتفاق الطائف التي دعت إلى سحب سلاح جميع الميليشيات اللبنانية، فهو لم يعد يصنف كسلاح مقاومة، بل كسلاح ميليشيا، وهناك أوامر للقوات المسلحة اللبنانية بنزعه. وبما أن قيادة الحزب أعلنت رفضها تسليمه، فقد وضعت نفسها في خانة القوى المتفردة على الدولة والخارجة عن القانون.
لقد تغير الواقع الجيوسياسي كثيراً خلال السنة الأخيرة، بشكل أفقد “حزب الله” معظم عوامل القوة التي كان يمتلكها، والتي جعلته لسنوات طويلة فوق القوانين اللبنانية، وأعطت قياداته وعناصره حصانة ضد أي محاسبة على أي فعل مهما بلغت فداحته، واستطاع استغلال الوجود السوري في لبنان لتوفير هذه الحصانة، ولاحقاً اعتمد على تحالفاته الداخلية وعلى محور الممانعة لتأمين استمرارية القطاعين السياسي والقانوني لتحركاته.
يجد “حزب الله” نفسه وحيداً اليوم في مواجهة الدولة اللبنانية، فباستثناء أصوات ومواقف مؤيدة له من شخصيات معدودة لا تملك أي وزن أو تأثير سياسي في الشارع اللبناني، أثرت باقي القوى البقاء بعيداً أو تأييد قرار نزع السلاح. هاى ثاني طرفي الثنائي الشيعي، حركة أمل، قررت التمايز عنه، فهي تحفظت على توقيت قرار نزع السلاح، لكنها لم تعلن رفضها للقرار، ولم تعتبره وكأنه لم يكن حتى إن قيادتها أعلنت عدم مشاركتها في مسيرات الدراجات. أما إقليميا
فهو لا يملك أي تأييد من سوريا وقوى عربية رئيسية، ولا من أي جهة خارجية باستثناء إيران.
بناء على التطورات والمواقف الأخيرة لقيادات الحزب والمرجعيات الدينية التابعة له، فإن استراتيجيته للتعامل مع قرار الحكومة تقوم على تحويل أزمة نزع السلاح إلى مشكلة ذات بعد طائفي فهو يصوّر الأمر على أنه مؤامرة أميركية ـ إسرائيلية تهدد المكون الشيعي وتسعى لتجريده من السلاح تمهيداً لطرده من أرضه، وتتعدد سرديات التهويل للحزب الإخافة الطائفة وتجييشها، لتشمل أموراً مثل تهديد القوى الإسلامية السنية التي تسيطر على الحكم في سوريا.
وهناك من يتحدث عن ربط السلاح بظهور المهدي.
لكن استراتيجية الحزب التي تسعى لشراء الوقت على أمل حصول متغيرات إقليمية تعيد له ما فقده من عوامل القوة، تواجه تحديات، أهمها رفض حركة أمل المخاطرة بإمكانية تجدد الحرب الإسرائيلية، والتي ستؤدي إلى مضاعف خسائر الطائفة الشيعية وفقدان أراض إضافية، وهناك مستقلون من الشيعة ممن هم ضد توجهات “حزب الله”.
وبالتالي لا يملك الحزب احتكار قيادة الشيعة رغم محاولة آلته الإعلامية تصوير عكس ذلك. كما أن تحرك الجيش السري والفعال لحصر تحرك مسيرات دراجات الحزب منع الاحتكاك مع المواطنين في الأحياء المسيحية أو السنية، وبالتالي حد من التوترات المذهبية أو الطائفية. ليس هناك أي ميليشيات أو قوى حزبية تواجه مسيرات الحزب في الشارع، وبالتالي هي تواجه الجيش اللبناني وحده
يبدو أن الحكومة اللبنانية مصممة على تنفيذ قرار نزع السلاح، والمرجح أن يبدأ بالمخيمات الفلسطينية أولا، ولتعزيز موقفها، لا بد للحكومة من أن تبدأ بمحاسبة “حزب الله” على أفعاله المخالفة للقوانين كافة، من سحب السلاح إلى إغلاق المؤسسات المصرفية غير الشرعية، إلى توقيف ومحاكمة المسلحين والمحرضين على الدولة ومن يهددون السلم الأهلي، فالقانون هو أساس الحكم. ومن هذا المنطلق، نجد أنفسنا أمام سؤال مهم: كيف يمكن لحزب يحرّض على الدولة ويخو قادتها ويهدد السلم الأهلي علنا، وبات سلاحه غير شرعي، أن يستمر في المشاركة في الحكومة والمجلس النيابي ؟