يوميات

السعودية وقطر.. أخوة تتجدّد في يوم المجد

*د. ميرفت إبراهيم

يطلّ علينا العيد الوطني للمملكة العربية السعودية الشقيقة بوصفه لحظةً استثنائية تتجدد فيها مشاعر الفخر والاعتزاز بتاريخ زاخر بالعظمة، ومسيرة مشرّفة من البناء والعزّة والازدهار. إنّه اليوم الذي يستحضر فيه السعوديون ذكرى توحيد بلادهم على يد المؤسس الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وبداية ملحمة وطنية أرسَت دعائم دولة قوية شامخة، واستطاعت أن تتحول من صحراء مترامية الأطراف إلى كيان سياسي واقتصادي وثقافي يترك بصمته على العالم.

لكن هذا اليوم لا يعني المملكة وحدها؛ بل يمتد صداه ليشمل محيطها الخليجي والعربي، وفي القلب منه قطر الشقيقة، التي ترى في احتفال المملكة بمجدها مناسبةً تتجدّد فيها روابط القربى والمودة، وتترسّخ جسور المحبّة والإخاء. فالعلاقة بين قطر والسعودية لم تكن يوماً مجرد علاقة جغرافية تفرضها الجيرة، أو سياسية تقتضيها الظروف، بل كانت وما زالت علاقة وجدانية ضاربة في الجذور، تعكس وحدة المصير وتشابك التاريخ وتشابه القيم.

إنّ ما يجمع الشعبين الشقيقين أعمق بكثير من المصالح العاجلة؛ فهو رابطة تتغذّى من ذاكرة مشتركة، ومن تداخل اجتماعي وثقافي وروحي يجعل من لقاء القطري بالسعودي لقاءً مع الذات في مرآة الآخر. ففي كل بيت قطري يكاد يوجد صدى لبيت سعودي، وفي كل بيت سعودي حكاية قِربى أو صداقة مع قطري، حتى غدا التلاحم بين الشعبين حقيقة يومية قبل أن يكون شعاراً سياسياً أو قراراً دبلوماسياً.

وفي هذا السياق، يكتسب اليوم الوطني السعودي بعداً إنسانياً خاصاً؛ فهو مناسبة للتأمّل في معنى الانتماء، وكيف يمكن أن يتحول الاحتفال بمجد وطن إلى مناسبة تُلهم الأوطان الأخرى تعزيز قيم التضامن والوفاء. بالنسبة لقطر، لا يقتصر الاحتفال على تقديم التهاني فحسب، بل يتجاوز ذلك ليكون إعلاناً صريحاً عن الفرح بمجد الشقيق، وعن الإيمان بأنّ قوة المملكة هي قوة للمنطقة كلها، وأنّ ازدهارها ينعكس خيراً على الخليج برمّته.

الدكتورة ميرفت إبراهيم إلى جانب الأمير منصور بن خالد بن فرحان آل سعود سفير المملكة العربية السعودية في قطر في حفل احتفال المملكة بعيدها الوطني

العلاقات بين قطر والسعودية تُبنى على أسس راسخة من الثقة والاحترام، وهي علاقة تتجدد مع كل تحدٍ يُواجه المنطقة، فتثبت أنها أقوى من العواصف وأعمق من تقلبات السياسة. لقد أظهرت التجربة أنّ الشراكة الصادقة بين البلدين قادرة على تجاوز الأزمات، وفتح آفاق جديدة من التعاون في الاقتصاد والتعليم والثقافة والتنمية المستدامة، بل وفي دعم الاستقرار الإقليمي والدولي.

وفي اليوم الوطني السعودي، يتأمّل القطريون ومعهم العرب جميعاً، معنى أن تتحول الصحراء إلى فضاء للحلم، وأن تنبعث من رمال الجزيرة حضارة معاصرة تُخاطب العالم بلغة التنمية والابتكار، دون أن تفقد أصالتها وجذورها. ولعلّ هذا الدرس بالذات هو ما يمنح العلاقات القطرية ـ السعودية بُعدها الأعمق: إنها علاقة قادرة على الجمع بين الحداثة والتراث، بين طموح المستقبل وحكمة الماضي.

إن الاحتفال باليوم الوطني للمملكة هو أيضاً مناسبة لتجديد العهد بين الأشقاء: عهد على أن يبقى الحب متبادلاً، والثقة متجددة، والوفاء صفة لا تزول. فحين نقول إن العلاقة بين قطر والسعودية علاقة أخوة، فنحن نعني الأخوة بكل ما تحمله من صدق المشاعر وعمق الالتزام. الأخ لا يفرح وحده، بل يفرح لأخيه، ولا يواجه التحديات بمفرده، بل يضع كتفه إلى كتف أخيه. ومن هنا، يصبح اليوم الوطني السعودي عيداً مشتركاً تُشارك فيه قطر بحب صادق وفخر خالص.

وليس من المبالغة القول إن هذه العلاقة تمثل نموذجاً يُحتذى للعلاقات العربية الأصيلة؛ فهي رسالة للعالم بأن التضامن العربي ممكن، وأنه قادر على بناء جسور من النجاح المشترك. وفي زمن تعصف فيه التحديات بالمنطقة، من قضايا التنمية إلى قضايا الأمن والاستقرار، تبدو العلاقة القطرية ـ السعودية كمنارة تُضيء الدرب، وتؤكد أنّ الأشقاء حين يجتمعون على المحبة والتعاون، فإنهم قادرون على تحويل الأحلام إلى حقائق.

ويزداد هذا المعنى وضوحاً حين نتأمل في المجالات التي يتجسد فيها التعاون العملي بين البلدين: من المشاريع الثقافية والتعليمية التي تستثمر في الإنسان، إلى المبادرات الاجتماعية والخيرية التي تعزز التكافل، وصولاً إلى التنسيق السياسي الذي يسهم في حماية المنطقة وصون استقرارها. كل ذلك ليس إلا وجهاً من وجوه الصلة الإنسانية العميقة التي لا تقتصر على الرسميات، بل تمتد إلى حياة الناس اليومية، وإلى تفاصيلهم الصغيرة التي تعكس القربى والمودة.

ومن هنا، فإن اليوم الوطني السعودي يتحول إلى مناسبة لإعادة اكتشاف الذات المشتركة التي تجمع الشعبين. هو يوم يعكس كيف يمكن للحب أن يكون أساساً للعلاقات الدولية، وكيف يمكن للرابطة العاطفية أن تكون أقوى من المصالح المادية. وما أجمل أن يُحتفى بالمجد الوطني على هذا النحو الذي يجمع بين الاعتزاز بالذات، والإقرار بروابط الأخوة التي تتجاوز الحدود.

تتوجه قطر بخالص التهاني إلى المملكة العربية السعودية قيادةً وشعباً، معربة عن اعتزازها العميق بهذه العلاقة التي تتجدّد مع كل يوم وحدث. إنها علاقة ستبقى راسخة ومتجددة، عصيّة على التآكل أو التراجع، لأنها بُنيت على الصدق والوفاء. واليوم الوطني السعودي، بما يحمله من رمزية المجد والتوحيد، هو مناسبة لتجديد هذه الصلة وللتأكيد على أنها ستظل نموذجاً يحتذى للعلاقات الأخوية الحقيقية، تسهم في تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم بأسره.

سفيرة قطر للسلام والإنسانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى