تميم المجد.. فارس العرب في الأمم المتحدة

* د. ميرڤت إبراهيم

في عالمٍ يترنّح بين الأزمات، وتتشابك فيه الأبعاد السياسية مع هموم الشعوب، يطلّ على المشهد العربي قائد استثنائي يحمل همّ الأمة وصوتها إلى المحافل الدولية. إنّه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر المفدى، الذي غادر إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، يرافقه معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وعدد من كبار المسؤولين. لم يكن هذا السفر مجرّد حضور بروتوكولي، بل محطة جديدة في سجلّ حافل بالمعاني والدلالات، يكتب فيه الأمير صفحة جديدة من حضور عربي فاعل يرفض التهميش والانزواء.
مشاركة سموه تأتي امتداداً لنهجٍ راسخ؛ إذ لم يتخلّ يوماً عن قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تشكّل نبض وجدانه. لم تكن فلسطين بالنسبة له ملفاً سياسياً فحسب، بل قضية إنسانية وأخلاقية، يختزنها في وعيه ويدافع عنها في خطابه، كمن يحمل جرحاً شخصياً يرفض أن يندمل ما لم يندمل جرح الشعب الفلسطيني. ولطالما صدح صوته في المحافل الدولية دفاعاً عن المظلومين، مذكّراً العالم بأن العدالة لا تتجزأ، وأن الكرامة الإنسانية حقٌّ لا يُساوَم عليه.
منذ أن تولّى مقاليد الحكم، رسّخ سمو الأمير صورة القائد الشاب الذي يجمع بين الطموح والحنكة، بين الإرادة الصلبة ورحابة الأفق. لم يكن غريباً أن يطلق عليه كثير من العرب لقب “فارس العرب”؛ فهو القائد الذي لم يتردّد في اتخاذ مواقف جريئة في أصعب اللحظات، منحازاً للحق حين يتردّد الآخرون، وواقفاً إلى جانب الشعوب حين تخلّى عنها الأقربون. لقد استطاع أن يوازن بين بناء الداخل القطري المزدهر، وبين رسم دور خارجي مؤثر يفتح لقطر أبواب التأثير في القضايا الكبرى.
في أروقة الأمم المتحدة، يترقّب العالم خطابه القادم، خطاباً لا يُنتظر منه أن يكون عادياً، بل أن يحمل رسائل صريحة وقوية تعكس مواقف قطر الثابتة تجاه الأزمات الإقليمية والتحديات العالمية. ومن المؤكد أن فلسطين ستكون في قلب الخطاب، ليس كقضية جغرافية أو سياسية، بل كمرآة للعدالة الإنسانية. سيخاطب الأمير القلوب والعقول معاً، حاملاً رسالة أن قطر، رغم صغر مساحتها الجغرافية، قد أصبحت كبيرة بحضورها الدبلوماسي ورؤيتها الإنسانية.
لقد أثبتت التجربة القطرية أن حجم الدول لا يُقاس بعدد الكيلومترات المربّعة، بل بمدى قدرتها على صناعة التأثير. من خلال دبلوماسية تقوم على الحوار والوساطة وبناء الجسور، باتت الدوحة حاضرة في الملفات الأكثر تعقيداً: من مفاوضات السلم إلى قضايا الطاقة والتنمية المستدامة. ومن على منبر الأمم المتحدة، يُجدّد الأمير التزامه بأن تبقى قطر نصيراً للسلام، ومنبراً للحق، وملاذاً للقيم الإنسانية التي تتآكل في عالمٍ مضطرب.
تأتي هذه المشاركة في ظرف دولي شديد التعقيد، حيث تتداخل الأزمات السياسية مع الاضطرابات الاقتصادية وتتصاعد التحديات الأمنية، بينما يرزح ملايين البشر تحت وطأة النزاعات والفقر والتشرّد. هنا تبرز أهمية حضور سموه، لا كقائد قطري فحسب، بل كصوت عربي يذكّر العالم بأن التضامن الإنساني لم يَعد ترفاً، بل ضرورة وجودية. ومن خلال خطابه، يعيد طرح الأسئلة الكبرى على الضمير العالمي: أين يقف العدل؟ وأين تُصان الكرامة الإنسانية؟
وما يميّز الأمير تميم أنه، وهو يتحدث أمام قادة العالم، يتجاوز حدود بلده الصغير جغرافياً ليصبح لسان حال أمّة كاملة. يدافع عن قضاياها، يذود عن حقوقها، ويجسّد حلمها في مكانة عربية فاعلة في عالم سريع التحوّل. وهو بذلك يسير على خطى والده الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أسّس نهضة قطر الحديثة، ليواصل الابن المسيرة بعزيمة أقوى وإرادة أشدّ.
إن حضور الشيخ تميم في الأمم المتحدة ليس حضوراً عابراً يُضاف إلى جدول بروتوكولي مزدحم، بل هو تجديد لعهد، رسالة متجددة بأن قطر ستكون حيثما تكون القضايا العادلة، وحيثما يُطلب صوت الحق. إنّه حضور فارسٍ عربيّ لا يكتفي بالكلمات، بل يجعل من كل منبر عالمي ساحة للدفاع عن فلسطين أولاً، وعن كل إنسان يبحث عن كرامة وسلام. ومن نيويورك، يتردّد صدى صوته ليذكّر العالم أن الأمل ما زال ممكناً، وأن العرب، برغم الجراح، ما زالوا يملكون من يحمل رايتهم إلى مصافّ الأمم.
*سفيرة السلام لقطر