يوميات

الدوحة تحتضن قمّة المستقبل للتعليم والذكاء الاصطناعي

*قطر: لا تنمية مستدامة بلا تعليم شامل وتمكين مجتمعي

*د. ميرفت إبراهيم

في زمن تتسارع فيه التحولات العلمية والتكنولوجية، وتتداخل فيه أسئلة الإنسان مع طموحات الآلة، برزت قطر لتعلن مجدداً حضورها الريادي في بناء مستقبلٍ يقوم على الشمولية والعدالة والتنمية المستدامة. وقد شكّل مؤتمر قمّة المستقبل للتعليم والذكاء الاصطناعي، الذي نظمه مركز ريدي فيوتشر للاستشارات التعليمية والتكنولوجية وإدارة الموارد البشرية، خطوة نوعية على طريق صياغة رؤية إنسانية تضع التعليم والذكاء الاصطناعي في قلب المشروع الحضاري للدولة والمجتمع.

المؤتمر لم يكن لقاءً عادياً؛ بل جسّد لوحة متعددة الألوان جمعت بين صنّاع القرار والخبراء والأكاديميين وممثلي المجتمع المدني. فقد شارك فيه نخبة بارزة من الشخصيات، تقدّمهم سعادة العميد إبراهيم السميح ـ مدير إدارة الشرطة المجتمعية، وسعادة الدكتور محمد بن سيف الكواري، وسعادة الدكتور خالد بن علي ـ سفير السلام.

ولم يقتصر الحضور على المستوى المحلي، بل أضاء المشهد بُعده الدولي بحضور دبلوماسي لافت. فقد حضرت سعادة السفيرة إريكا بيرنهارد ـ سفيرة جمهورية النمسا لدى دولة قطر، مؤكدة أن العلاقات القطرية ـ النمساوية تستند إلى تاريخ طويل من التعاون، وأن التعليم العالي والابتكار التكنولوجي والبحث العلمي باتت جسوراً متينة تربط بين الدوحة وفيينا. كما شاركت سعادة السفيرة سيديبي ديديو عثمان ـ سفيرة جمهورية مالي لدى دولة قطر، التي أثنت على الدور الريادي لقطر في دعم قضايا الدمج الاجتماعي وتمكين ذوي الإعاقة، معتبرة أن المؤتمر يشكّل منصة للتعاون التنموي والإنساني بين باماكو والدوحة.

في الجلسة الختامية، كان للمسة الإنسانية حضورها، إذ تم تكريم السفراء وضيوف الشرف من مختلف الدول. وقد جاءت لحظة التكريم، التي تشرف المركز بتقديم شهادات التقدير لهم، بمثابة رسالة رمزية بليغة: أن قطر ـ قيادةً وشعباً ـ تؤمن أن الجهود المشتركة والتجارب المتبادلة هي السبيل لتجسيد قيم العدالة والشمولية، وأن تكريم الدبلوماسيين والعلماء والفاعلين الاجتماعيين هو تكريم للإنسانية ذاتها.

سعادة العميد إبراهيم السميح مدير إدارة الشرطة المجتمعية في قطر

من أبرز ملامح المؤتمر حضور مبادرة “صوتك قوة لذوي الإعاقة”، التي أطلقها المركز بدافع إيمانه العميق بضرورة أن يكون للأشخاص ذوي الإعاقة منبر فاعل يمكّنهم من التعبير عن قضاياهم وإيصال أصواتهم.

المبادرة استندت إلى قوة الإعلام والتكنولوجيا كأدوات للتمكين والاندماج، فوجدت صدى واسعاً لدى الحاضرين، لأنها تترجم القيم الإنسانية إلى فعلٍ ملموس، وتتماهى مع التوجهات الوطنية لدولة قطر في إطار رؤيتها للتنمية المستدامة.

لقد كان للمبادرة وقع خاص، إذ لامست الجانب النفسي والاجتماعي في آن واحد؛ فمنح الصوت للضعفاء هو في جوهره إعادة صياغة لمعادلة القوة في المجتمع، بحيث يصبح الاعتراف بالهشاشة باباً للقوة، والاحتفاء بالاختلاف مدخلاً للشمولية.

ما ميّز المؤتمر أنه لم يكن ساحةً أكاديمية صمّاء، ولا منبراً للخطابة العابرة، بل جاء ليجسد التزاوج بين العلم والإنسانية. فقد ناقش الخبراء دور الذكاء الاصطناعي في تطوير التعليم وإعادة صياغة مناهجه بما يتناسب مع تحولات العصر، كما طرحوا حلولاً مبتكرة لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتيسير وصولهم إلى فرص التعليم والعمل والحياة الكريمة.

كما برز دور الشرطة المجتمعية بوصفها نموذجاً وطنياً يعكس كيف يمكن لمؤسسات الأمن أن تكون شريكاً في التنمية الاجتماعية، من خلال رعاية المبادرات الإنسانية وتعزيز مفهوم الأمن المجتمعي القائم على الثقة والتكافل.

لقد سلّط المؤتمر الضوء على أن التحديات التي تواجه العالم ـ من تغيّرات مناخية إلى فجوات تعليمية وتكنولوجية ـ لا يمكن أن تواجهها دولة بمفردها. بل إن التعاون الدولي، والشراكات العادلة بين الشمال والجنوب، هي السبيل الأمثل لمواجهة تلك التحديات. ومن هنا جاءت الحوارات الغنية بين ممثلي الدول المشاركة لتؤكد أن قطر باتت مركزاً يربط الشرق بالغرب، والعلم بالإنسان، والتكنولوجيا بالقيم.

الدكتور محمد بن سيف الكواري نائب رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنســــــــان

من بين الرسائل الأعمق التي خرج بها المؤتمر، أنّ قطر ماضية في ترسيخ مكانتها كمنارة إقليمية وعالمية للتعليم والابتكار والشمول الاجتماعي. فقد جمع الحدث بين الرؤية الإنسانية، والتميّز الأكاديمي، والتعاون الدولي، ليشكل نقطة تحول في مسيرة الدولة نحو بناء مجتمع أكثر عدلاً وشمولاً، حيث لا يُترك أحد خلف الركب، ولا يظل الاختلاف سبباً للتهميش أو الإقصاء.

في ختام الفعاليات، لم يكن الشكر الذي قدّمته إلى المشاركين والداعمين سوى تعبير بسيط عن امتنان عميق. فقد أكدت أن نجاح المؤتمر ليس غاية بحد ذاته، بل هو بداية لمسيرة أطول، مسيرة تستهدف تعزيز التعليم، واستثمار التكنولوجيا، وتمكين ذوي الإعاقة، كي تبقى قطر نموذجاً يُحتذى به في العالم.

إنَّ قمّة المستقبل للتعليم والذكاء الاصطناعي لم تكن حدثاً عابراً، بل محطة وعي وإلهام، رسمت ملامح الطريق نحو مجتمع يتصالح مع ذاته، ويحتفي بإنسانيته، ويستثمر ذكاءه الجمعي لبناء مستقبل أكثر إشراقاً، لا لأهل قطر وحدهم، بل للإنسانية جمعاء.

*سفيرة السلام لقطر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى