متى ترحل؟

طلال الحمود
استعاد أنصار الهلال السعودي شريط ذكريات السنوات الخمس الأخيرة، وما تضمنته من أحداث صنّفت تاريخ النادي العريق إلى ما قبلها وبعدها، وتحديداً منذ وصول فهد بن نافل إلى منصب الرئيس عام 2019 لإنقاذ سمعة الفريق الغائب عن الألقاب الآسيوية حينها لنحو عقدين من الزمان، وجبر خواطر ملايين المشجعين عقب الفشل الذريع في التأهل إلى كأس العالم للأندية، بسبب سوء الطالع تارة، وسوء المستوى أو أخطاء التحكيم تارة أخرى، حتى تحوَّلت «العالمية» إلى عقدة مستمرة، وجد فيها أنصار الأندية المنافسة فرصة موسمية للتشكيك في شعبية القميص الأزرق، وإطلاق حملات «الطقطقة» على منصات التواصل الاجتماعي.
واختار الرئيس الاستثنائي الابتعاد عن رئاسة النادي مساء الثلاثاء الماضي، بعدما واجه موسماً صعباً وتحدياً خاصّاً في السيطرة على الخلاف المتصاعد بين المدرب خورخي خيسوس من جهة، ولاعبي وجماهير النادي من جهة ثانية، ثم التَّصدي للمطالبة برحيل البرتغالي العنيد في وقت يصعب فيه الحصول على بديل يُمكنه إعادة الأمور إلى طبيعتها، ومع أن فهد بن نافل استجاب لضغط المدرجات في محاولة لإنقاذ الفريق والحد من تدهور علاقة إدارة النادي بجماهيره، فإن التأخر في الاستغناء عن خيسوس كلَّف الهلال هزائم نكراء أدَّت إلى تجريده من لقب بطل الدوري، وكادت تقصيه من المشاركة في البطولة القارية.
بعد رحيل خيسوس المتأخر وفقدان الهلال فرصة تحقيق بطولة الدوري، تراجعت شعبية فهد بن نافل بدرجة جعلته أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما الرحيل والحفاظ على ما تبقَّى من سمعة إدارته التي منحت النادي مجداً غير مسبوق، وإما المغامرة على طريقة «فاز من كان جسوراً» والاستمرار حتى انتهاء كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة، وكان من شأن هذا أن يقود الرئيس إلى مغادرة منصبه بطريقة لا يتمناها في حال واصل الفريق انهياره، وتلقّى هزائم تاريخية في المونديال، خصوصاً أن تراجع مستوى بعض اللاعبين، وتوقيت التعاقد مع المدرب الإيطالي سيموني إنزاغي، وتعثر الصفقات الجديدة، أمور لا تدعو إلى التفاؤل إطلاقاً، غير أن الرئيس الاستثنائي اختار الطريق الصعب، قبل أن ينجح في كتابة نهاية تليق بقصة المجد العظيمة، وتمسح الجزء المسيء بخاتمة يصعب أن يتجاهل أنصار كرة القدم العربية روعتها.
وعلى طريقة «تعلّم متى ترحل»، اختار فهد بن نافل الرحيل على صوت هتافات الثناء ومشهد إسدال الستار على مشاركة تاريخية في كأس العالم، وغادر منصبه بسجّل إنجازات وضعه في أعلى قائمة رؤساء الهلال الذين حطّموا الحواجز ومنحوا ناديهم مجداً لم يحظَ به من قبل، بعد تخطيه عقدة العالمية بأربع مشاركات في المونديال، وتحقيق دوري أبطال آسيا للمرة الأولى ثم الثانية، والفوز بثلاثة ألقاب متوالية في الدوري السعودي للمرة الأولى، فضلاً عن تصدر واجهة كرة القدم العالمية بمجموعة من الصفقات التي جعلت الفريق الأزرق منافساً قوياً يُمكنه التصدي لريال مدريد والفوز على مانشستر سيتي.
طُويت صفحة فهد بن نافل وإدارته، وبدأ البيت الهلالي ترتيب أوضاعه تمهيداً لعهد جديد تتواصل فيه الإنجازات على طريقة الرئيس السابق، غير أن المدرجات الزرقاء ربما تواجه خيبة أمل في الموسم المقبل، لاعتبار أن ما شهده الهلال خلال السنوات الخمس الأخيرة لا يشبهه إلا حالة ازدهار استثنائية اجتمع فيها إداريون يعملون بإتقان، ونجوم محليون لا يمكن تعويض غيابهم، ومحترفون أجانب من طراز مختلف، وهذا يُمثل تحدياً خاصّاً أمام الرئيس المقبل الذي سيُواجه ملفات، من أهمهما تجديد الفريق بعد انتقال أو ابتعاد نجوم العصر الذهبي من اللاعبين المحليين الذين غادروا جميعاً، ولم يتبقَّ منهم إلا سالم الدوسري المرشح لمغادرة القائمة الزرقاء بعد موسمين، إن لم يكن في صيف العام المقبل.